فصل: 264- باب تحريم لعن إنسان بعينه أَوْ دابة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.264- باب تحريم لعن إنسان بعينه أَوْ دابة:

1551- عن أَبي زيدٍ ثابت بن الضَّحَّاك الأنصاريِّ رضي الله عنه، وَهُوَ من أهلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلاَمِ كاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ كَما قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فيما لاَ يَمْلِكُهُ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ». متفق عَلَيْهِ.
الملة: الدين والشريعة.
قال عياض: يستفاد منها أن الحالف المتعمد، إن كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كذاب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر، وإن قال معتقدًا لليمين بتلك الملة لكونها حقًا، كفر. وإن قالها لمجرد التعظيم لها، احتمل.
وعن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه: «من قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا لم يعد إلى الإسلام سالمًا». أخرجه النَّسائي وصححه.
قوله: «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ».
قال ابن دقيق العيد: هذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنيات الدنيوية.
ويؤخذ منه أنَّ جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكًا له مطلقًا، بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بما أذن الله له فيه.
قوله: «وليس على رجل نذر فيما لا يملك»، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين». رواه الخمسة.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر نذرًا ولم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لم يطقه، فكفارته كفارة يمين». رواه أبو داود، وابن ماجة.
قوله: «لعْن المؤمن كقتله». أي: لأنه إذا لعنه، فكأنه دعا عليه بالهلاك. وقيل: يشبهه في الإثم. والله أعلم.
1552- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا». رواه مسلم.
أي: ليس من شأنه كثرة اللَّعن. وعند الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ: «لا يكون المؤمن لعَّانًا».
1553- وعن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَكُونُ اللَّعَانُونَ شُفَعَاءَ، وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه مسلم.
قيل: لأنهم فسقة. والفاسق لا تقبل شفاعته، ولا شهادته.
1554- وعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَلاَعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ، وَلا بِغَضَبِهِ، وَلاَ بِالنَّارِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
في هذا الحديث: تحريم الدعاء بلعنة الله، وغضب الله، أو النار.
1555- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلاَ اللَّعَّانِ، وَلا الفَاحِشِ، وَلاَ البَذِيِّ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
الطعَّان: أي: الوقّاع في أعراض الناس بالذم والغيبة ونحوهما. الفحّاش: ذو الفحش في كلامه وفعاله.
قال في (النهاية): البذاء: المباذاة وهي المفاحشة. وقال في (المصباح): بذا على القوم يبذو، سفه أو فحش في منطقه، وإن كان كلامه صدقًا.
1556- وعن أَبي الدرداء رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ العَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا، صَعدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّماءِ، فَتُغْلَقُ أبْوابُ السَّماءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الأرْضِ، فَتُغْلَقُ أبْوابُهَا دُونَها، ثُمَّ تَأخُذُ يَمينًا وَشِمالًا، فَإذا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فإنْ كَانَ أَهْلًا لِذلِكَ، وإلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا». رواه أَبُو داود.
في هذا الحديث: قبح اللعن وشناعته.
قوله: «إذا لعن شيئًا». حيوانًا كان أو جمادًا.
1557- وعن عمران بن الحُصَيْنِ رضي الله عنهما، قَالَ: بَيْنَمَا رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أسْفَارِهِ، وَامْرأةٌ مِنَ الأنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا؛ فَإنَّهَا مَلْعُونَةٌ». قَالَ عمْرانُ: فَكَأنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي في النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أحَدٌ. رواه مسلم.
1558- وعن أَبي بَرْزَةَ نَضْلَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ القَوْمِ. إِذْ بَصُرَتْ بِالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَضَايَقَ بِهِمُ الجَبَلُ، فَقَالَتْ: حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ». رواه مسلم.
قَوْله: «حَلْ» بفتح الحاء المهملة وَإسكانِ اللام: وَهِيَ كَلِمَةٌ لِزَجْرِ الإبِلِ.
وَاعْلَمْ أنَّ هَذَا الحَدِيثَ قَدْ يُسْتَشكَلُ مَعْنَاهُ، وَلا إشْكَالَ فِيهِ، بَلِ المُرَادُ النَّهْيُ أنْ تُصَاحِبَهُمْ تِلْكَ النَّاقَةُ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهَا وَذَبْحِهَا وَرُكُوبِهَا فِي غَيْرِ صُحْبَةِ النبي صلى الله عليه وسلم بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ جائِزٌ لا مَنْعَ مِنْهُ، إِلا مِنْ مُصَاحَبَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَا؛ لأنَّ هذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كُلَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فَمُنِعَ بَعْض مِنْهَا، فَبَقِيَ البَاقِي عَلَى مَا كَانَ، واللهُ أَعلم.

.265- باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين:

قَالَ الله تَعَالَى: {ألا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18].
عَنِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، ثُم يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]». رواه البخاري ومسلم.
وقال تَعَالَى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 44].
قال ابن كثير: أي أَعْلَمَ مُعْلِم، ونادى منادٍ أنَّ لعنةُ اللهِ على الظالمين، أي: مستقرة عليهم.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ» وَأنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا»، وأنَّهُ لَعَنَ المُصَوِّرِينَ، وأنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ غيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ» أيْ حُدُودَهَا، وأنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ»، وأنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيهِ» وَ«لَعَنَ اللهُ من ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ»، وَأنَّه قَالَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَة والنَّاسِ أجْمَعينَ»، وأنَّه قَالَ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وعُصَيَّةَ: عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ» وهذِهِ ثَلاَثُ قَبَائِلَ مِنَ العَرَبِ. وأنَّه قَالَ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» وأنهُ «لَعَنَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّساءِ والمُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجالِ».
وَجَميعُ هذِهِ الألفاظِ في الصحيح؛ بعضُها في صَحيحَيّ البُخاري ومسلمٍ، وبعضها في أحَدِهِمَا، وإنما قصدت الاختِصَارَ بالإشارةِ إِلَيها، وسأذكر معظمها في أبوابها من هَذَا الكتاب، إن شاء الله تَعَالَى.
أي: وكلُّ هذه الأحاديث تدل على جواز لعن أهل المعاصي على سبيل العموم.

.266- باب تحريم سب المسلم بغير حق:

قَالَ الله تَعَالَى: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
قال ابن كثير: ينسبون إليهم ما هم برآء منه، لم يعملوه، ولم يفعلوه. وهذا البهت الكبير، أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والنقص لهم.
وعن أبي هريرة: أنه قيل: يَا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: «ذِكْرُكَ أخاكَ بما يكره». قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه». رواه الترمذي.
1559- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ». متفق عَلَيْهِ.
قال النووي: السبُّ في اللغة: الشتم والتكلم في عرض الإِنسان بما يعيبه، والظاهر أن المراد من قتاله المقاتلة المعروفة.
1560- وعن أَبي ذرٍ رضي الله عنه أنهُ سَمِعَ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفِسْقِ أَوِ الكُفْرِ، إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كذَلِكَ». رواه البخاري.
في هذا الحديث: تفسيق من رمى غير الفاسق بالفسق، وتكفير من رمى المؤمن بالكفر، كما في الحديث الآخر: «من رمى رجلًا بالكفر أو قال عدوّ الله وليس كذلك، إلا حار عليه».
1561- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «المُتَسَابَّانِ مَا قَالا فَعَلَى البَادِي منهُما حَتَّى يَعْتَدِي المَظْلُومُ». رواه مسلم.
قال النووي: معناه أن إثم السباب الواقع بينهما يختص بالبادئ منهما، إلا أن يجاوز الثاني قدر الانتصار، فيؤذي الظالم بأكثر مما قاله.
وفيه: جواز الانتصار ولا خلاف فيه، وتظاهر عليه الكتاب والسنة، ومع ذلك فالصبر والعفو أفضل كما قال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43]، وكحديث: «وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عِزًّا».
1562- وعنه قَالَ: أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شرِبَ، قَالَ: «اضربوهُ» قَالَ أَبُو هريرةَ: فَمِنَّا الضارِبُ بيَدِهِ، والضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أخْزَاكَ اللهُ! قَالَ: «لا تَقُولُوا هَذَا، لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَان». رواه البخاري.
في هذا الحديث: جواز إقامة حد الخمر بالضرب بغير السوط.
قال النووي: أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال، والأصح جوازه بالسوط.
قال الحافظ: وتوسط بعض المتأخرين فعين السوط للمتمردين، وأطراف الثياب والنعال للضعفاء، ومن عداهم بحسب ما يليق بهم. انتهى.
وزاد أبو داود في رواية: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «بكِّتوه» فأقبلوا عليه. يقولون له: ما اتقيت الله عز وجل؟ ما خشيت الله جل ثناؤه، ما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم أرسلوه.
1563- وعنه قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَى يُقَامُ عَلَيْهِ الحَدُّ يَومَ القِيَامَةِ، إِلا أَنْ يَكُونَ كما قَالَ». متفق عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: إظهار كمال العدل.
وفي رواية: «من قذف مملوكه وهو بريء مما قاله جلد يوم القيامة حدًّا، إلا أن يكون كما قال».